تعد معركة أنوال من أهم المعارك التي شهدها العالم الحديث في القرن العشرين. وقد خاضها عبد الكريم الخطابي ضد الاستعمار الأسباني معتمدا في ذلك على حرب شعبية كان لها صيت عال
ي كبير.إذاً، ماهي أسباب ودواعي هذه الحرب الضروس؟ وما هي الخطة التي اتبعها عبد الكريم في هذه المعركة؟ وما هي نتائجها؟ هذه هي الأسئلة التي سنحاول الإجابة عنها في موضوعنا هذا.
خرج مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة1906 بوضع المغرب تحت الحماية الأجنبية. فاستهدفت إسبانيا شماله و جنوبه، بينما ركزت فرنسا على وسطه. أما طنجة فكانت منطقة دولية.
لقد واجهت إسبانيا أثناء تغلغلها في منطقة الريف الشرقي مقاومة شرسة وحركة جهادية قادها محمد الشريف أمزيان من سنة 1906 إلى 1912. وكانت حملة الشريف الدفاعية منصبة على عرقلة تغلغل الأسبان في أزغنغان بعد مده للسكة الحديدية لاستغلا ل مناجم الحديد في أفرا وجبل وكسان. وقد كبد الشريف الأسبان خسائر مادية وبشرية، كما قضى على ثورة الجيلالي الزرهوني أو ما يسمـــى ببوحمارة أو الروكي.
وبعد موت الشريف أمزيان في 15 ماي 1912 ستواصل أسرة عبد الكريم الخطابي النضال المستميت ضد التكالب الاستعماري: الأسباني و الفرنسي. وستقف في وجه أطماع الحكام الأسبان و الطبقة الأرستقراطية المناصرة لسياسة الحرب و أطماع الحزب الحاكم.
ولما أحس محمد بن عبد الكريم الخطابي بأطماع أسبانيا في الريف الشرقي التي تتمثل في احتلال الحسيمة و الحصول على خيرات الريف و استغلال معادنها بعد استيلائها على الناظور و تطوان و الاستعداد للانقضاض على ثورة الريسوني لاحتلال شفشاون، قرر سي محمد أن يؤسس إمارة جهادية؛ وذلك بتوحيد قبائل الريف مثل: كزناية و بني ورياغل و بني توزين وتمسمان... وأسس إمارته على أحكام شريعة الله وأنظمة الإدارة الحديثة، وأبعد الريفيين عن الفوضى و الثأر، وأجبرهم على الاحتكام إلى عدالة الشرع والقضاء الإسلاميين.
هذا وقد أحدث عهد عبد الكريم قطيعة بين عهدين:
عهد السيبة والفوضى الذي يمتد من أواخر القرن 19 إلى أوائل العقد الثاني من القرن العشرين بكل ما شهده من سخائم و نعرات عشائرية؛
عهد الثورة التحريرية الممتدة من1921الى 1926، إذ عرف الريف عدة إصلاحات وفي مقدمتها القضاء على حدة الفوضى و الثأر.-1-
ولما عرف عبد الكريم نوايا حكومة أسبانيا الاستعمارية نظم جيشه أحسن تنظيم على الرغم من نقص العدد والعدة. وكان عبد الكريم مثالا في الشجاعة والبطولة و العدل والتشبع بالإسلام؛ لذلك اتخذه الريفيون بطلا جماهيريا يقود ثورة شعبية من الجبليين والفلاحين للدفاع عن ممتلكاتهم و أعراضهم باسم الجهاد والحق المبين. ولايعني هذا أن إمارة الريف مستقلة عن السلطة المركزية؛ بل كانت موالية لها أتم الولاء والخضوع والاحترام. فرضتها الظروف المرحلية و العسكرية. وقد أثبت جرمان عياش في كتابه"أصول حرب الريف"هذه التبعية والولاء عندما أقام المؤلف "لائحة بأسماء عمال مخزنيين تمتد من 1835 إلى 1900 وتشهد على استمرار حضور ممثلين عن المخزن في الإقليم، كما كشف عن وجود ست قصبات في مختلف أنحاء الريف ترابط بها حاميات مخزنية. وكل هذا يدل على أن الريف كان خاضعا للسلطة المركزية على عكس ما تدعيه الروايات الأجنبية"-2-
ولم تكن ثورة الريف التحريرية لعبد الكريم بدافع إقليمي؛ بل كانت بدافع وطني ضد الاستعمار، وبدافع قومي لتحرير الشعوب الإسلامية من ربقة الاستعمار والجهل والتخلف.